الموقف الأوروبي من الرسوم الجمركية الأمريكية 2025: بين المفاوضات والرد المضاد
*بقلم: صائد الأسهم الأمريكية*
*تاريخ النشر: 8 أبريل 2025*
في ظل التصعيد التجاري الذي أعلن عنه البيت الأبيض يوم 8 أبريل 2025، بفرض رسوم جمركية غير مسبوقة بنسبة 104% على الواردات الصينية، و20% على الاتحاد الأوروبي، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه في مواجهة تحدٍ اقتصادي وسياسي كبير. هذه الخطوة، التي جاءت في إطار سياسة “أمريكا أولاً” التي يتبناها الرئيس دونالد ترامب، أثارت ردود فعل متباينة في أوروبا، حيث يسعى الاتحاد إلى تحقيق توازن بين حماية مصالحه الاقتصادية وتجنب حرب تجارية شاملة. في هذه المقالة، نستعرض بالتفصيل الموقف الأوروبي من الرسوم الجمركية الأمريكية، استراتيجياته، وتأثيراتها المحتملة على الاقتصاد العالمي.
ما هي الرسوم الجمركية؟
الرسوم الجمركية هي ضرائب تفرضها الحكومات على السلع المستوردة، وتُستخدم لتحقيق أهداف متعددة، منها:
-
حماية الصناعات المحلية
-
تقليل العجز التجاري
-
الضغط السياسي على دول معينة
-
تحسين إيرادات الدولة
سياق الرسوم الجمركية الأمريكية
أعلن البيت الأبيض عن هذه الرسوم كجزء من استراتيجية تهدف إلى تقليص العجز التجاري الأمريكي وحماية الصناعات المحلية. بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن الرسوم البالغة 20% على صادراته إلى الولايات المتحدة تطال قطاعات حيوية مثل السيارات، الصلب، والمنتجات الزراعية. ومع تصدير الاتحاد الأوروبي ما قيمته 532 مليار يورو إلى الولايات المتحدة في عام 2024، فإن هذه الرسوم تهدد بإحداث تأثير سلبي كبير على الاقتصاد الأوروبي.
#### الموقف الأوروبي: المفاوضات أولاً
منذ الإعلان عن الرسوم، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي يفضل الحلول التفاوضية على التصعيد. في تصريح لها يوم 3 أبريل 2025، وصفت الرسوم الأمريكية بأنها “ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي”، مشيرة إلى أن الاتحاد مستعد لتقديم مقترحات مثل اتفاقية “صفر-صفر” التي تهدف إلى إلغاء الرسوم الجمركية المتبادلة بين الطرفين. هذا العرض يعكس رغبة أوروبا في تجنب الصراع، مع الاستفادة من قوتها التفاوضية كسوق استهلاكية ضخمة وشريك تجاري رئيسي للولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، أرسل المفوض الأوروبي للتجارة، ماروش شيفشوفيتش، رسائل واضحة خلال زيارته لواشنطن في مارس 2025، مفادها أن الاتحاد الأوروبي لن يقف مكتوف الأيدي إذا فشلت المفاوضات. هذا النهج المزدوج – التفاوض مع الاستعداد للرد – يظهر استراتيجية أوروبية مرنة تهدف إلى حماية مصالحها دون إشعال فتيل مواجهة مباشرة.
#### الرد المضاد: خطة الاتحاد الأوروبي
على الرغم من تفضيل التفاوض، أعد الاتحاد الأوروبي خطة رد مضادة في حال فشل الحوار مع الولايات المتحدة. وفقاً لبيان صادر عن المفوضية الأوروبية يوم 7 أبريل 2025، يتضمن الرد الأوروبي فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على ما يصل إلى 26 مليار يورو (28 مليار دولار) من الواردات الأمريكية، تشمل منتجات مثل الصلب، الألمنيوم، المنسوجات، الأجهزة المنزلية، والمنتجات الزراعية مثل البوربون والدراجات النارية.
هذه الخطة ليست جديدة كلياً، إذ سبق للاتحاد الأوروبي أن علق رسوماً مماثلة خلال الولاية الأولى لترامب (2018-2020)، ثم جمدها بعد مفاوضات مع إدارة بايدن. الآن، مع انتهاء المهلة في 31 مارس 2025، يستعد الاتحاد لتفعيل هذه الإجراءات اعتباراً من 15 أبريل 2025، مع إمكانية توسيعها لتشمل قطاعات أخرى مثل الخدمات والتكنولوجيا إذا اقتضت الحاجة.
#### التأثيرات الاقتصادية على أوروبا
تشير تقديرات البنك المركزي الأوروبي إلى أن فرض رسوم أمريكية بنسبة 25% على الصادرات الأوروبية قد يقلل نمو منطقة اليورو بنسبة 0.3% في السنة الأولى، وصولاً إلى 0.5% إذا رد الاتحاد برسوم مضادة. القطاعات الأكثر تضرراً تشمل صناعة السيارات، التي تصدر ما قيمته 60 مليار يورو سنوياً إلى الولايات المتحدة، والصلب، الذي يواجه بالفعل منافسة شرسة من الصين.
من ناحية أخرى، يرى بعض المحللين أن الرسوم قد تدفع الاتحاد الأوروبي لتعزيز علاقاته التجارية مع شركاء آخرين مثل الصين وآسيا، لكن ذلك يواجه تحديات مثل العجز التجاري الكبير مع الصين (292 مليار يورو في 2023) والمنافسة في قطاعات مثل السيارات الكهربائية.
#### أدوات الضغط الأوروبية
إلى جانب الرسوم الجمركية، يمتلك الاتحاد الأوروبي أدوات أخرى للرد على السياسة الأمريكية:
1. **التنظيم التكنولوجي**: يمكن للاتحاد فرض قيود على شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى مثل جوجل وآبل، التي تعتمد على السوق الأوروبية بشكل كبير.
2. **أداة مكافحة الإكراه**: وهي آلية قانونية تتيح للاتحاد تقييد الاستثمارات الأمريكية أو فرض عقوبات تجارية أكثر شمولاً.
3. **التحالفات الدولية**: تعزيز التعاون مع كندا والصين لمواجهة الضغوط الأمريكية.
#### ردود فعل الدول الأعضاء
داخل الاتحاد، تتباين الآراء حول كيفية التعامل مع الأزمة. فرنسا، بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون، تدعو إلى رد قوي يتجاوز الرسوم الجمركية، بما في ذلك تعليق الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة. في المقابل، تسعى دول مثل أيرلندا وبولندا إلى نهج أكثر حذراً خوفاً من تأثير التصعيد على اقتصاداتها المرتبطة بالسوق الأمريكية.
#### الخلاصة
الموقف الأوروبي من الرسوم الجمركية الأمريكية يعكس توازناً دقيقاً بين الدبلوماسية والحزم. بينما يظل التفاوض هو الخيار المفضل، يستعد الاتحاد الأوروبي للرد بقوة إذا فشلت المحادثات، مستفيداً من قوته الاقتصادية وأدواته التنظيمية. التحدي الأكبر يكمن في الحفاظ على وحدة الدول الأعضاء وتجنب الآثار السلبية على المواطنين والشركات الأوروبية. مع استمرار هذا الصراع التجاري، يبقى السؤال: هل سينجح الاتحاد في إقناع الولايات المتحدة بالتراجع، أم أن العالم على أعتاب حرب تجارية جديدة؟
*كتب هذا المقال صائد الأسهم الأمريكية، خبير في تحليل الأسواق المالية ومتابع للسياسات الاقتصادية العالمية.*